مكانةُ فاطمةَ الزهراءِ (عليها السلام)

مكانةُ فاطمةَ الزهراءِ (عليها السلام)


img1
قال الطبري في كتاب بشارة المصطفى(صلى الله عليه واله)لشيعة المرتضى(عليه السلام): أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي ( رحمه الله ) فيما أجاز لي روايته عنه ، وكتب لي بخطّه سنة إحدى عشرة وخمسمئة بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قال : حدّثني أبو الحسن محمد بن الحسين المعروف بابن الصقال ، قال : حدّثنا أبو المفضل محمد بن معقل العجلي القرميسيني بشهرزور ، قال : حدّثني محمد بن أبي الصهبان الباهلي ، قال : حدّثنا الحسن بن علي بن فضال ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبيه ( عليهما السلام ) ، عن جابر بن عبد الله الانصاري ( رضي الله عنه ) قال :صلّى بنا رسول الله صلاة العصر ، فلمّا انفتل جلس في قبلته والناس حوله ، فبينما هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب [ عليه ] سَمَلٌ قد تهلّل وأخلق ، وهو لا يكاد يتمالك كبراً وضعفاً .

فأقبل عليه رسول الله يستجليه الخبر ، فقال الشيخ : يا نبيّ الله ، أنا جائع الكبد فاطعمني وعاري الجسد فاكسني ، وفقير فارشيني ، فقال : ما أجد لك شيئاً ولكنّ الدال على الخير كفاعله ، انطلق إلى منزل مَن يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، يؤثر الله على نفسه ، انطلق إلى حجرة فاطمة .

وكان بيتها ملاصق بيت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه .

و [ قال ] : يا بلال ، قم فقف به على منزل فاطمة

فانطلق الإعرابي مع بلال فلمّا وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته : السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل عن عند ربّ العالمين ، فقالت فاطمة : وعليك السلام ، مَن أنت يا هذا؟.

قال : شيخ من العرب أقبلتُ على أبيك سيّد البشر مهاجراً من شقّة بعيدة ، وأنا يا بنت محمد ، عاري الجسد جائع الكبد ، فواسيني رحمك الله .

وكان لفاطمة وعلي ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً ، وقد علم رسول الله ذلك من شأنهما ، فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن والحسين : فقالت : خذ هذا أيّها الطارق فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه .

فقال الأعرابي : يا بنت محمد ، شكوت إليك الجوع فناولتني جلد كبش ما أنا صانع به مع ما أجد من السَّغب .

قال : فعمدت ( عليها السلام ) لمّا سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبد المطّلب ، فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي ، فقالت : خذه وبعه فعسى الله أن يعوّضك به ما هو خير منه .

فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله ، والنبيّ جالس في أصحابه ، فقال : يا رسول الله ، أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد وقالت : بعه فعسى أن يصنع الله لك ، قال : فبكى النبيّ وقال : وكيف لا يصنع الله لك وقد أعطتك فاطمة بنت محمد سيّدة بنات آدم .

فقام عمّار بن ياسر ( رحمه الله ) فقال : يا رسول الله ، أتأذن لي بشراء هذا العِقد؟.

قال : اشتره يا عمّار ، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم الله بالنار .

فقال عمّار : بكم هذا العِقد يا أعرابي ؟ قال : بشبعة من الخبز واللحم ، وبُردة يمانية استُر بها عورتي وأُصلّي فيها لربّي ، ودينار يبلغني إلى أهلي .

وكان عمّار قد باع سهمه الذي نقله رسول الله من خيبر ولم يبق منه شيئاً ، فقال : لك عشرون ديناراً ومِئتا درهم هجرية وبُردة يمانية ، وراحلتي تبلغك ( إلى ) أهلك وشبعة من خبز البر واللحم ، فقال الأعرابي : ما أسخاك بالمال [ أيّها الرجل ]!وانطلق به عمّار فوفّاه ما ضمن له .

وعاد الأعرابي إلى رسول الله ، فقال له رسول الله : أشَبعت واكتسيت ؟.

قال الأعرابي : نعم ، واستغنيت بأبي أنت وأُمي ، قال ( صلّى الله عليه وآله ) : فأجز فاطمة بصنيعها .

فقال الأعرابي : اللهمّ إنّك إله ما استحدّثناك ولا إله لنا نعبده سواك ، وأنت رازقنا على كل الجهات ، اللهمّ إعطِ فاطمة ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت .

فأمّن النبيّ على دعائه وأقبل على أصحابه فقال : إنّ الله قد أعطى فاطمة في الدنيا ذلك : أنا أبوها وما أحد من العالمين مثلي ، وعلي بعلها ولولا علي ما كان لفاطمة كفواً أبداً ، وأعطاها الحسن والحسين وما للعالمين مثلهما سيّدا شباب أسباط الأنبياء وسيّدا أهل الجنّة ، ـ وكان بإزائه مقداد وعمّار وسلمان ( رضي الله عنهم ) ـ فقال : وأزيدكم ؟.

فقالوا : نعم يا رسول الله .

قال : أتاني الروح الأمين ـ يعني جبرئيل ـ إنّها إذا هي قُبضت ودُفنت يسألها الملكان في قبرها : مَن ربّك ؟ فتقول : الله ربّي ، فيقولان : مَن نبيّك ؟.

فتقول : أبي ، فيقولان : فمَن وليّك ؟ فتقول : هذا القائم على شفير قبري علي بن أبي طالب ، ألا وأزيدكم من فضلها أنّ الله قد وكلّ بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها ، وهم معها في حياتها وعند قبرها بعد موتها ، يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ، فمَن زارني بعد وفاتي فكأنّما زارني في حياتي ، ومَن زار فاطمة فكأنّما زارني ، ومَن زار علي بن أبي طالب فكأنّما زار فاطمة ، ومَن زار الحسن والحسين فكأنّما زار علياً ، ومَن زار ذرّيتهما فكأنّما زارهما .

فعمد عمّار إلى العقد وطيّبه بالمسك ولفّه في بُردة يمانية وكان له عبد اسمه سهم ، ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر ، فدفع العقد إلى المملوك وقال له : خُذ هذا العِقد فادفعه إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وأنت له ، فأخذ المملوك العِقد فأتى به رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وأخبره بقول عمّار ( رحمه الله ) فقال النبيّ : انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد وأنت لها .

فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله ، فأخذت فاطمة العِقد وأعتقت المملوك فضحك الغلام ، فقالت فاطمة ( عليها السلام ) : ما يضحكك يا غلام ؟.

فقال : أضحكني عِظمُ بَرَكة هذا العِقد ، أشبع جائعاً وكسى عرياناً وأغنى فقيراً وأعتق عبداً ورجع إلى ربّه.

من كتاب:بشارة المصطفى(صلى الله عليه واله)لشيعة المرتضى(عليه السلام): / للمؤلف : ابي جعفر محمد بن ابي القاسم الطبري.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا المساجد هي المباني الوحيدة الناجية من تسونامي إندونيسيا؟

كيف تختبر محبة الله تعالى والأنس به في نفسك