هل للحسد واقعية وما هي طرق الوقاية منه؟

هل للحسد واقعية وما هي طرق الوقاية منه؟


بقلم: السيد عبد الله شبر، 

   وهو من نتائج الحقد كما سبق، والحقد من نتائج الغضب، فهو فرع فرع الغضب. وللحسد من الفروع الذميمة ما لا يكاد يحصى. قال الباقر عليه السلام: إن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب[1].

وقال الصادق عليه السلام: آفة الدين الحسد والعجب والفخر[2].

وعنه عليه السلام[3] قال: قال الله تعالى لموسى[4]: يا بن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي، ولا تمدن عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك، فإن الحاسد ساخط لنعمي صادٌ لقسمي الذي قسمت بين عبادي، ومن يك كذلك فلست منه وليس مني[5].

وعنه عليه السلام[6] قال: اتقوا الله ولا يحسد بعضكم بعضاً ــ الحديث[7].

وفي مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: الحاسد مضر بنفسه قبل أن يضر بالمحسود، كإبليس أورث بحسده لنفسه اللعنة ولآدم الاجتباء[8] والهدى والرفع إلى محل حقائق العهد والاصطفاء[9]، فكن محسوداً ولا تكن حاسداً، فإن ميزان الحاسد أبداً خفيف يثقل ميزان المحسود والرزق مقسوم فماذا ينفع الحسد الحاسد وما يضر المحسود الحسد، والحسد أصله من عمى القلب وجحود فضل الله وهما جناحان للكفر، وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد وهلك مهلكاً لا ينجو منه أبداً، ولا توبة للحاسد لأنه مصر عليه معتقد به مطبوع فيه، يبدو بلا معارض به ولا سبب، والطبع لا يتغير عن الأصل وإن عولج[10].

ثم اعلم أنه لا حسد إلا على نعمة، فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها حالتان:

إحداهما: أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها، وهذه الحالة تسمى حسداً.

والثانية: أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها ولكنك تشتهي لنفسك مثلها، وهذه تسمى غبطة[11] ومنافسة، وقد يوضع أحد اللفظين بدل الآخر، ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني.

قال صلى الله عليه وآله وسلم: إن المؤمن يغبط والكافر يحسد[12][13]. وقال تعالى: ((وَ فِي ذٰلِكَ فَلْيَتَنٰافَسِ الْمُتَنٰافِسُونَ))[14].

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه الله على هلكته[15] في الحق، ورجل آتاه الله علماً فهو يعمل به ويعلمه الناس[16]. فسمى الغبطة حسداً كما قد يسمى الحسد منافسة[17].

والحسد حرام على كل حال إلا في نعمة أصابها فاجر أو كافر وهو يستعين بها على تهيج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق، فلا يضر كراهتها ومحبة زوالها من حيث هي آلة الفساد لا من حيث إنها نعمة، بحيث لو أمن فسادها لم يغمه تنعمه.

والحسد إنما يكثر بين أقوام تجمعهم روابط تتوارد على أغراضهم، فإذا خالف واحد صاحبه في غرض من أغراضه نفر[18] طبعه وأبغضه وثبت الحقد فيه، وحيث لا رابطة بين شخصين فلا تحاسد بينهما، فلذلك يحسد العالم العالم دون العابد، والتاجر يحسد مثله ولا يحسد العالم، ويحسد الرجل أخاه وابن عمه أكثر مما يحسد الأجانب، والمرأة تحسد ضرتها وسرية[19] زوجها أكثر مما تحسد أمّ الزوج وابنته، وذلك للتزاحم على المقاصد.

وأسباب الحسد المذموم:

العداوة: بأن يكره النعمة على المحسود لأنه عدوه، فلا يريد له الخير.

أو التعزز: وهو أن يعلم أن المحسود يتكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه.

أو الكبر: وهو أن يكون في طبع الحاسد أن يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه بنعمة.

أو التعجب: وهو أن تكون النعمة عظيمة والمنصب كبيراً، فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة.

أو الخوف: من فوت المقاصد المحبوبة، وهو أن يخاف من فوت مقاصده بسبب نعمته، بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه.

أو حب الرياسة: التي تبتنى على الاختصاص بنعمة لا يساوى فيها، أو خبث نفس وبخلها وشحها بالخير لعباد الله وإن كانت النعمة لا تثقل.

وقد تجتمع هذه الأسباب أو أكثرها في شخص واحد فيعظم الحسد لذلك.

وعلاج الحسد علمي وعملي:

أما العلمي[20]: فهو أن يعلم الحاسد أن للحسد ضرراً عليه في الدنيا والدين، لأنه بالحسد سخط قضاء الله تعالى وكره نعمته التي قسمها لعباده وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته. وهذه جناية عظيمة على العدل الحكيم. على أن الحاسد فارق أولياء الله في حبهم الخير لعباد الله، وشارك إبليس وسائر الكفار في حبهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم. قال تعالى: ((إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهٰا))[21] وقال تعالى: ((وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ))[22].

وأما ضرره في الدنيا فهو أن الحاسد لا يزال متألماً بالحسد مهموماً مغموماً معذباً، لأن أعداءه، لا تزال نعم الله تتجدد عليهم يوماً فيوماً وساعة فساعة ولا تزول النعمة عن المحسود بالحسد، ولو كان كذلك لما بقيت نعمة على المؤمنين لحسد الكفار إياهم، ولا ضرر على المحسود أصلاً، لأن ما قدره الله تعالى له من النعم فلا حيلة في دفعه، بل الضرر على الحاسد كما عرفت.

والحسد ينفع المحسود في الدنيا والآخرة:

أما في الدنيا فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء وغمهم[23] وشقاوتهم وكونهم معذبين مغمومين، ولا عذاب أعظم مما في الحاسد من ألم الحسد، وقد فعل الحاسد بنفسه ما هو مراد أعدائه.

وأما في الدين فلأن المحسود مظلوم من جهة الحاسد، لا سيما إذا أخرجه الحسد إلى القول أو الفعل بالغيبة أو القدح[24] فيه وهتك[25] ستره وذكر مساوئه، فهذه هدايا يهديها الحاسد إلى المحسود بانتقال حسناته إلى ديوانه، حتى يلقاه مفلساً محروماً من الحسنات، كما حرم من الراحة في الدنيا فقد أضيف للمحسود نعمة إلى نعمة وإلى الحاسد شقاوة إلى شقاوة.

وأما العلاج العملي: فهو أن يحكم الحسد وكل ما يتقاضاه من قول أو فعل، فينبغي أن يكلف نفسه بنقيضها، فإن بعثه الحسد على القدح فيه كلف لسانه المدح له والثناء عليه، وإن حمله على التكبر ألزم نفسه التواضع والاعتذار إليه، وإن بعثه على كف الأنعام عنه ألزم نفسه الزيادة. ومهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه، ومهما أحبه عاد الحاسد وأحبه وتولدت بينهما الموافقة التي تقطع مادة الحسد، ويصير ما تكلفه أولاً طبعاً آخر.

والأصل في العلاج قمع أسباب الحسد من الكبر وعزة النفس وشدة الحرص كما يأتي إن شاء الله تعالى.

واعلم أن الحاسد له في أعدائه ثلاثة أحوال:

الأولى: أن يحب مساءتهم بطبعه ولكنه يكره حبه لذلك وميل قلبه إليه بعقله، ويمقت[26] نفسه عليه ويودُّ أن يكون له حيلة في إزالة ذلك الميل، وهذا القسم معفو عنه قطعاً لأنه غير داخل تحت الاختيار.

الثانية: أن يحب ذلك ويظهر الفرح بمساءته إما بلسانه أو بجوارحه، وهذا هو الحسد المحظور[27] قطعاً.

الثالثة: وهي بين الطرفين أن يحسد بالقلب من غير مقته لنفسه على حسده ومن غير إنكار منه على قلبه، لكن يحفظ جوارحه من طاعة الحسد في مقتضاها، وهذا محل خلاف بين العارفين: فقيل إنه لا يخلو عن إثم بقدر قوة ذلك الحب وضعفه، لأنك وإن كفيت ظاهرك بالكلية إلا أنك بباطنك تحب زوال النعمة، وليس في نفسك كراهة لهذه الحالة، فأنت أيضاً حسود عاصٍ لأن الحسد صفة القلب لا صفة الفعل[28]، قال تعالى: ((وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حٰاجَةً مِمّا أُوتُوا))[29] وقال: ((وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوٰاءً))[30]، والفعل ــ كالغيبة والوقيعة في المحسود ــ إنما هو عمل صادر عن الحسد لا عين الحسد.

وذهب ذاهبون إلى أنه لا يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه، ويرشد إليه كثير من الأخبار: فروي من طرق العامة[31] بأسانيد عديدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: وضع عن أمتي تسع خصال: الخطأ، والنسيان، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، وما استكرهوا عليه، والطيرة[32]، والوسوسة في التفكير[33] في الخلق، والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد[34].

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ثلاث لا ينجو منهن أحد: الظن، والطيرة، والحسد. وسأحدثكم بالمخرج من ذلك: إذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ[35][36].

وفي رواية أخرى: ثلاث لا ينجو منهن أحد وقلّ من ينجو منهن... إلى آخرها[37].
وفي رواية أخرى: ثلاثة في المؤمن له منهن مخرج، ومخرجه من الحسد أن لا يبغى[38].

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا المساجد هي المباني الوحيدة الناجية من تسونامي إندونيسيا؟

كيف تختبر محبة الله تعالى والأنس به في نفسك