المتعة العقليّة من المتع المشروعة،

المتعة العقليّة من المتع المشروعة، بل والمطلوبة أحياناً إذا كانت مرشدةً إلى المعلومات النافعة في العلم والإيمان والسلوك والموقف. وربّما يحصل المرء ـ إذا كان من أهل المطالعة والتنقيب ـ على موارد عديدة من الأخبار العلميّة المفيدة التي يستدلّ بها على العقيدة الصحيحة، والقيم الرفيعة، وهذه بين أيدينا ـ أيّها الإخوة الأكارم ـ مجموعة منها، فيها الأنس والمعرفة معاً، وإذا حصل التوفيق كان بعدها آثارٌ طيّبة:
قال الدكتور ( جون كليفلاند ) رئيس قسم العلوم الطبيعيّة بجامعة ( دولت ): تَدلّنا الكيمياء على أنّ بعض الموادّ ماضية إلى سبيل الزوال والفناء، ولكنّ بعضها يسير نحو الفناء بسرعةٍ كبيرة، والبعض الآخر يمضي بسرعةٍ ضئيلة، وعلى هذا فإنّ المادّة ليست أبديّة، ومعنى ذلك أنّها ليست أزلية.
وقال كيمياوي مغرور يدّعي بأنّ هذا العالَم العظيم قد تكوّن صُدفةً: إئْتوني بالهواء والماء والطين، وظروف نشأة الحياة الأولى، أصنع لكم إنساناً! وهذا الطلب في ذاته ناطقٌ عن إقراره الصريح بعجزه واحتياجاته المتعدّدة إلى العناصر الأساسية والظروف المهمّة، واعتراف منه بتقليدِ صنعة الخالق العظيم جلّ وعلا من خلال الاستعانة بما وَهبَه من استعدادات فكرية، وبما يهيّئه له ـ لو استطاع أن يكوّن إنساناً ـ من إمكاناتٍ ضرورية! ولو فرَضْنا جدلاً أنّه استطاع أن يصنع إنساناً، فإنّه لن يقول: صَنَعَته الصدفة، بل سيقول: صنعتُه أنا!
وقد قال تعالى: « هَلْ أَتى عَلَى الإنسانِ حِينٌ مِنَ الدهرِ لم يَكُنْ شَيئاً مَذكُوراً * إنّا خَلَقْنَا الإنسانَ مِن نُطفةٍ أمشاجٍ نَبتَليهِ فَجَعَلناهُ سميعاً بصيراً * إنّا هَدَيناه السَّبيلَ إمّا شاكراً وإمّا كَفُورا » [ الإنسان: 1 ـ 3 ].
بعد ذلك يدّعي الإنسان ما يُخزي نفسَه بنفسه، وهو منتقلٌ من عدمٍ إلى وجود، ويتقلّب بين حالات الوهن والمرض حتّى يموت، ولا يرعوي. وقد قال تعالى: « أو لَم يَرَ الإنسانُ أنّا خَلَقْناهُ مِن نُطفةٍ فإذا هو خصيمٌ مُبين * وضَرَبَ لنا مَثَلاً ونَسِيَ خَلْقَه... » [ سورة يس: 77 ـ 78 ].
إنّ قانون الجاذبيّة اكتشفه ( نيوتن ) وغيرُه من العلماء مِن خلال الآثار المشهودة في ارتباط أجزاء هذا الكون بعضها ببعض، ولكنّهم لم يعرفوا ـ حتّى الآن ـ حقيقة الجاذبيّة ولا كُنهَها. وقد صرّح ( نيوتن ) نفسه بذلك في رسالته إلى صديقه ( بنتلي ) فجاء فيها:
إنّه لأمرٌ غير مفهومٍ أن نجد مادّةً لا حياة فيها ولا إحساساً تؤثّر على مادّةٍ أخرى وتجذبها، مع أنّه لا توجد بينهما أيّة علاقة!
أثبتت الأبحاث المنطقيّة أنّ الإنسان يستطيع أن يتعقّل بعض الحقائق العلميّة في الوقت الذي لا يستطيع أن يتخيّلها أو يتصوّرها. وبعبارةٍ أخرى: إنّه يستطيع أن يصل إلى مرحلة « التصديق » دون أن يمرّ عبر مرحلة « التصوّر ».
مثال: إنّ أمواج النور التي تُحدِث اللونَ البنفسجي تكون بسرعة ( 60 ألف موجة في البوصة )، وإنّ ذبذبات الصوت قد تصل إلى ( نصف مليون ذبذبة في الثانية )، وهذا ـ وإن عجز العقل عن تصوّره ـ ولكنّه لم يعجز عن التصديق به؛ لأنّه ثبت علميّاً وبصورةٍ قاطعة.
قال ( دارون ): يستحيل على العقل الرشيد أن تمرّ به ذرّةٌ من شكٍّ في أنّ العالَم الفسيح ـ بما فيه من الآيات البالغة والأنفُس الناطقة المفكّرة ـ قد صدر عن مصادفةٍ عمياء؛ لأنّ المصادفة لا تخلق نظاماً، ولا تُبدِع حكمة. وذلك عندي أكبر دليل على وجود الله.
وكم كان لدارون كلماتٌ من هذا القبيل، ولكنّه ـ لأسبابٍ خاصّة ـ طرح نظريّة مشوِّهة لأصل الإنسان، لم يستند فيها إلى معرفةٍ دينيّة ولا أدلّة عقليّةٍ أو تاريخيّة في حياة البشريّة.
جاء في التقرير الطبّي الدولي الذي أصدره مؤتمر الأطباء المؤلّف من ( 250 ) طبيباً أوربيّاً وأمريكيّاً، والذي انعقد في شيكاغو سنة 1919 م، ما يأتي:
ـ إنّ الطبيب الذي يصف لمريضه شيئاً من الخمرة على سبيل العلاج دون أن يجد في العقاقير الطبيّة بديلاً منه، إنّما هو ـ في عُرف هذا المؤتمر ـ طبيبٌ متأخّر في فنّه بضع عشرة سنة... وإنّ هذا المؤتمر يحكم بأنّ انتشار الخمور هادمٌ لسعادة الأمم، ومقوّضٌ لصرح الأخلاق!
ـ اكتشف الأطبّاء الأوربيّون أنّ ميكروب الجذام ـ على صِغره بحيث لا يُرى بالعين المجرّدة ـ يُشبه الأسد في هيئته وصورته. ومن هنا ندرك ما في الكلمة النبويّة
الشهيرة: « فِرَّ مِِن المجذوم فِرارَك من الأسد »! من دقّة تبلغ حدَّ الإعجاز، فإنّ المجذوم يحمل الجذام، وهو شبيه الأسد.
وهنا ينبغي أن لا نحتقر أو نستنكف عن الرحمة بالمرضى، كما أنّ على المرضى ألاّ يتذمّروا إذا ابتُلوا، فقد جاء عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام أنّه قال: « المرضُ للمؤمن تطهيرٌ ورحمة، وللكافر تعذيبٌ ونقمة. وإنّ المرض لا يزال بالمؤمن حتّى لا يكونَ عليه ذَنْب ».
من العجائب: أنّ العين الباصرة تشتمل على تنظيماتٍ تِلّسكوبيّة ومِيكرِسْكوبيّة تبلغ الغاية في الدقة، وهي تحتوي على ( 130 ميليون ) مِن مُستقبِلات الضوء.
جاء في بعض خُطب أميرالمؤمنين عليه السلام قوله: « ورَبَّ هذه الأرضِ التي جعَلْتَها قراراً للأنام، ومَدرجاً للهَوام والأنعام، وما لا يُحصى ممّا يُرى وممّا لا يُرى ».
قيل: في عبارة ( ممّا لا يُرى ) إشارة إلى المخلوقات الدقيقة التي لم تُكتشف قبل اختراع التلّسكوب والميكرسكوب. ونحن نقرأ في سبحانيّات أيّامَ شهر رمضان المبارك هذا المقطع الشريف من الذِّكر:

« سبحانَ اللهِ بارئِ النَّسَم، سبحانَ اللهِ المُصوِّر، سبحانَ اللهِ خالقِ الأزواج كُلَّها، سبحانَ اللهِ جاعلِ الظُّلُماتِ والنور، سبحانَ اللهِ فالقِ الحَبِّ والنَّوى، سبحانَ اللهِ خالقِ كلِّ شيء، سبحانَ اللهِ خالقِ ما يُرى وما لا يُرى، سبحانَ اللهِ مِدادَ كلماتهِ، سبحانَ اللهِ ربِّ العالَمين ».

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا المساجد هي المباني الوحيدة الناجية من تسونامي إندونيسيا؟

كيف تختبر محبة الله تعالى والأنس به في نفسك