تلكم كوثر المصطفى


في الوقت الذي لا يستطيع أحدٌ أن يدّعيَ أنّ فلاناً أو فلاناً له ذريّةً في عصرنا هذا تفوق ذراري الآخَرين، يُقرّ الجميع أنّ ذريّة رسول الله صلّى الله عليه وآله هي الأكثر والأوسع والأعلى في أنساب الناس جميعاً، وبهذا ـ وعلى مدى التاريخ البشري ـ تتحقّق البشارة الإلهيّة المُهداة إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله: إِنّا أَعطَيناكَ الكَوثَر ، والكوثر هو الخيرُ الكثير، وهل هنالك خيرٌ كثيرٌ غير الذي وهَبَه الله تبارك وتعالى لرسوله من ذريّةٍ طيّبةٍ ونسلٍ طاهرٍ شريفٍ مبارك، وقد جاء من طريق ابنته الصدّيقة الزهراء فاطمة سلام الله عليها. وقد أنبأ صلّى الله عليه وآله بذلك يومَ دخل على أُمّ المؤمنين خديجة رضوان الله عليها فوجدها تتكلّم وليس معها أحد، فسألها عمّن تخاطبه، فقالت: مع ما في بطني، وكانت قد حملت بفاطمة عليها السلام، عندها قال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله: « أبْشِري يا خديجة، هذه بنتٌ جعَلَها اللهُ أُمَّ أحَدَ عشَرَ من خلفائي يخرجون بعدي وبعد أبيهم »، وفي رواية الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه صلّى الله عليه وآله قال لها: « مَن يُحدثُكِ ؟ »، فقالت: الجنين الذي في بطني يُحدّثني ويُؤنسني، فقال لها: هذا جبرئيل يبشّرني أنّها أُنثى، وأنّها النَّسَمةُ الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّةً في الأُمّة، يجعلهم خلفاءَه في أرضه بعد انقضاءِ وحيه » ( بحار الأنوار للشيخ المجلسي 80:16 / ح 20 ـ عن أمالي الصدوق:475 / ح 1 ـ المجلس 87 ).
وهكذا شاء الله تبارك وتعالى أن يبتدئ نسلُ النبيّ صلى الله عليه وآله من ابنته الطاهرة البتول فاطمة ثمّ يستمرّ من خلال عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام، فيشرع بسيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخِرين وبسيّد الوصيّين، ويُثمر عن أئمّةٍ طاهرين معصومين، هم خلفاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو أبوهم روحاً ونسباً، وقد قال: « كلُّ بَني أبٍ ينتمون إلى عُصبةِ أبيهم، إلاّ وُلْدَ فاطمة؛ فإنّي أنا أبوهم وأنا عصبتهم » ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 285:11، بحار الأنوار 70:37 ـ عن المستدرك لابن البطريق ).
وإلى هذا يشير الشاعر محمّد بن عبدالرحمان في أرجوزته:
كلُّ نبـيٍّ نسلُـه مِـن صُلبِـهِ وخُصّ منه أحمدٌ مِـن ربِّـهِ
أن جعَلَ الإلهُ نسلَـه العَلـي وسِرَّه المَصونَ في صُلبِ علي
مِن بنتهِ الزهراءِ ذاتِ الشَّرَفِ وبَضعةِ النورِ الذي قد آصطُفي
فاطمةٍ أُمِّ الحسيـنِ والحَسَـنْ ونجلُها أحسنُ مِن كلِّ حَسَـنْ

وهذه بين يدينا مجموعة من الروايات تُجمع أنّ شرف امتداد النسل النبويّ الشريف هو من ميراث فاطمة وعليّ صلَواتُ الله عليهما، وهو أشرف نسل مِن سيّد الوجود وأشرفه.

 وفي ( الاحتجاج 58:2 ) لأبي منصور أحمد بن علي الطبري، و ( تفسير القمّي عليّ بن إبراهيم 84:1 ) ـ عنه ( بحار الأنوار 232:43 / ح 8 ) وغيرها، أن الإمام أبا جعفر محمّد الباقر عليه السلام سأل أبا الجارود: « ما يقولون في الحسن والحسين عليهما السلام ؟ »، قال: يُنكرون علينا أنّهما ابنا رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال عليه السلام: « فَبِأيّ شيءٍ احتَجَجتُم عليهم ؟ »، قال أبو الجارود: قلتُ: بقول الله في عيسى بن مريم: « ومِن ذرّيتِهِ داودَ وسليمانَ... وزكريّا ويَحيى وعيسى وإلياسَ كُلٌّ مِن الصالحين » [ سورة الأنعام:84 ـ 85 ]، فجعل اللهُ عيسى مِن ذريّة إبراهيم، واحتججنا عليهم بقوله تعالى: قُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفسَنا وأنفسَكم [ سورة آل عمران:61 ]. قال عليه السلام: « فأيَّ شيءٍ قالوا ؟ »، قلت: قالوا: قد يكون ولد البنت من الوُلْد ولا يكون من الصُّلب، فقال أبو جعفر عليه السلام: « واللهِ يا أبا الجارود لأُعطيَنَّكَها مِن كتاب الله آيةً تسمّي لصلب رسول الله صلّى الله عليه وآله، لا يردّها إلاّ كافر »، قلت: جُعِلتُ فداك، وأين ؟ قال: « حيث قال الله: حُرِّمَتْ عليكُم أُمّهاتُكم وبناتُكم وأخَواتُكم.. وحلائلُ أبنائِكمُ الذينَ مِن أصلابكم [ النساء:23 ]، فَسَلْهم يا أبا الجارود: هل يَحلّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله نكاحُ حليلتِهما ؟ فإن قالوا: نعم، فكذبوا والله، وإن قالوا: لا، فَهُما واللهِ ابنا رسول الله لصلبه، وما حُرِّمتْ عليه إلاّ للصلب ».

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا المساجد هي المباني الوحيدة الناجية من تسونامي إندونيسيا؟

كيف تختبر محبة الله تعالى والأنس به في نفسك